مقدمة

عام 1990 قدّمت الدكتور الشاعر جميل ميلاد الدويهي في حفل إصدار ديوانه "عودة الطائر الأزرق" بهذه القصيدة التي احتضنها ديواني "أحباب"، بكل فخر واعتزاز، لأن من قلتها فيه كان وما زال من أغلى الأحباب:
الطَّيْر الأَزْرَقْ رَحْ بِيعُودْ
عَ إِهْدِنْ.. عَ رْوَابِيهَا
عَ زْغَرْتَا الْـ فِيهَا مَوْعُودْ
وْقَاعِد عَمْ بِينَاجِيهَا
وْمَهْمَا الْغُرْبِه تْحطّ حْدُودْ
بْيْنَاتُنْ.. مَا بْيِنْسِيهَا
قَلْبُو بْسَاحَاتَا مَوْجُودْ
بْيِزْرَعْ دَقَّاتُو فِيهَا
وِبْلادُو الْـ حَرْقِتْهَا قْرُودْ
بْأَحْلامُو عَمْ يِبْنِيهَا
وِيْعَلِّقْ حَرْفُو بِجْرُودْ
مِتل الشَّمْس بْيِضْوِيهَا
شَاعِرْ كِل مَا بْشِعْرُو يْجُودْ
قْلُوب بْتِصْرُخ آوِيهَا
رَافِع لِلْحُرِّيِّه بْنُودْ
مْدَوْزَن كِل قْوَافِيهَا
عَ دْوَايِرْهَا بْحُور الْجُودْ
بْتِغْمُر رَمْل شْوَاطِيهَا
وِانْ غِزْيِتْهَا لْيَالِي سُودْ
بْإِنْسَانِيتُو بْيِحْمِيهَا
يَا دْوَيْهِي.. بِالْغُرْبِه سْدُودْ
نِيرَانَا عَمْ تِحْرُق نَاسْ
ضَلّ بْشِعْرَكْ طَفِّيهَا.
وكما تمنيت عاد "الطائر الأزرق" الى ربوع اهدن، ليعمل كأستاذ محاضر في كلية العلوم الانسانية في جامعة اللويزة، وليصدر العديد من المؤلفات منها:
ـ أهل الظلام
ـ من أجل الوردة
ـ الذئب والبحيرة
ـ طائر الهامة
كما أصدر مؤلّفين يدرّسان في الجامعة، بالإضافة إلى ثمانية قصص للأطفال صدرت عن دار أبعاد الجديد، وكتاب عن البطريرك إسطفان الدويهي بالإنكليزيّة مع ربى الدويهي (صدر عن جمعيّة بطل لبنان يوسف بك كرم في أستراليا). كما أصدر عدّة مقالات أكاديميّة محكّمة في لبنان.
دون أن ينسانا في "غربتنا السوداء"، فلقد كان همّ الأدب المهجريّ في أستراليا هاجسه خلال وجوده في لبنان، وكان يتحدّث عنه، ويعلنه، ولا يترك فرصة إلاّ ويلفت النظر إليه، ويدعو النقّاد إلى تناوله. و"كطائر أزرق" نبتت رياشه في روضنا الأدبي، راح يروّج له بأسلوب أخّاذ مطعّم بأكاديمية لا ترضى إلا الصواب، ولا تهدف إلا لتبيان الحقيقة، فحاضر عنّا مدافعاً عن حقّنا في الوجود، كشعراء وأدباء مهجريين، "فأسمعت كلماته من به صمم" على حد قول الشاعر.
و"جميلنا" كما يحلو لي أن أناديه، يحمل شهادة دكتورة بتفوق بارز، دون أن يستغل اللقب لصعود سلم الشهرة والابداع، لا بل استغله "اللقب" ليشرّف نفسه به بعد أن أذله الكثيرون من حملة الشهادات المزورة.
نثره شعر، وشعره فريد نوعه، مبدع دون أن يدّعي الابداع، منتج دون أي تبجح، كامل وما زال يطلب الكمال، متواضع بعزة وكرامة.
هكذا عرفته من أول يوم التقيته فيه لحظة وصوله الى أستراليا، فقد وجدت فيه نفسي.. وأعجبت باندفاعه للرقي، وبشجاعته في تسليط الضوء على أي نتاج يتناوله، فتفرح بانتقاده لك، لأنك على علم مسبق من أنه يحبّك، ولا يضمر أي شرّ لك.
وقد لا أكون مبالغاً اذا قلت ان الحركة الأدبية في أستراليا خسرت كثيراً برحيل الشاعر الكبير نعيم خوري، وبرجوع دكتورنا "الجميل" الى ربوع الوطن.. نظراً لكثافة نتاجهما وتحركهما الأدبي المثمر.
ولقد أعلن المهندس الراحل رفيق غنّوم في كتابه "أجمل ما قيل بأدب شربل بعيني" أن قصيدة "شاعر الغربة السوداء" للدكتور جميل الدويهي لا تضاهيها قصيدة، فما كان مني اليوم الا أن أهديتها غلاف الكتاب.
وها هو "الجميل" يعود الى "الغربة"، فتعود الروح اليها، ويبدأ عطاءً أدبياً رائعاً طالما اشتقنا إليه، وطالما حلمنا به.
ولأن كل كلمة مدحني أو انتقدني بها، تساوي عندي العمر، أحببت أن أرجعها له في هذا الكتاب، وأطبع قبلة على جبينه الوضاء، وأقول بصوت عال: شكراً أيها "الجميل" على جمال كلمتك.. وسمو محبتك.
شربل بعيني
**